معلومات عن الكاتب

كلن يعني كلن



كلن يعني كلن*

 

طلب الاستاذ منّا ان نكتب عن لحظة فراغٍ فكريّ وعجزٍ عن الكتابة، او كما يقال "بلوك". قلت في نفسي سأمازحه في الصف غدًا قائلة "لم أستطع الكتابة يا أستاذ، أصلًا  كيف بدي أكتب اذا كنت في هذه الحالة؟" وسأقرأ له هذه الكلمات:

"جلست وراء طاولتي وقتًا طويلاً وانا مشتاقة الى غنج الكلمات، اشتقت للحياة التي تمشي بين أصابعي بصحبة الأوراق البيضاء والقلم كي أكتب هذه الكلمات، وفي حالات كثيرة كنت لانجز عدة صفحات لكن "الله يسامح الاستاذ على هذه التقنية، لقد اوقعني في حالة البلوك!"

أحاول ان اتخيل ردة فعله عندما أقرأ امامه هذه القصة، لربما سيصرخ بي "شو يا باشا، وين تسليع[1] الأستاذ اللي عم تحكي عنه؟ ما إلو اسم مثلاً ولا شكل؟ طويل، قصير، ناصح، ضعيف؟، أصلع او في شعر على راسه؟"

انغمست في حالة الفراغ الفكري والجفاف، اين اختفى بئر الصور والأفكار الذي كنت انتشل منه عادة اي قصة كان يطلبها مني؟ عدت لألومه مجددًا، "خلص كل الحق ع الاستاذ". رميت القلم من يدي وابعدت رزمة الاوراق من أمامي ثم أشعلت سيجارة "ديفيدوف" احمر، وطلبت من "بانو" مدبّرة المنزل فنجان قهوة مر . في العادة، احب القهوة مع السكر، ملعقة كاملة، لكن في حالتي هذه، "الله يسامح الأستاذ"، سآخذها مرة مثل وضعي الآن.

التقطت جهاز التحكم عن بعد وبدأت اقلب بقنوات التلفاز الفضائية علّني ألتقط فكرة ما،  فإذا بالبلد مليء بـ"البلوكات" (اعمدة الحجارة) والمظاهرات تعمّ الشوارع، فاحسست بصفعة على منابت الكلمات "شو اني ناقصني؟".

شربت قهوتي على مهلٍ شديد والفراغ يمتد اكثر في رأسي، "بسيطة طولي بالك، انتِ من آلة بكبسة زر بتبلش كتابة" قلت في نفسي واخذت أزايد عليها "فعلًا، اي اني مش مصنع نسيج لأغزله قصة، شو والله الواحد يعمل سجادة عجمية أهون عليه".

اختلط عندي الوعي واللاوعي وبدأت ابحث عن مهارتي وتلقائيتي، ترى اين ذهب الإلهام؟ هل فقدت موهبتي هكذا دون انتباه؟

أخذت أبحث في أوراقي المبعثرة على الطاولة، تناولت احداها. كانت قصة "سودة" التي كنت أعمل على كتابتها الأسبوع الفائت، لكنّني لم انهيها بعد. أعدت قراءة المقطعين الأولين منها فلفتني مقطع اقول فيه " عندما تنظرالى هذه المرأة تشعر انه لربما ترك القمر بعضًا من فضّته على يديها". عندما قرأت هذه الكلمات قلت بصوت مسموع، "اوووف اذا انا كاتبه هيك كيف مش عم يطلع معي شي؟ ساقوم بمسح هذا الأرق الفكري وادع فكري ياخذ غفوة صغيرة علّه يرتاح قليلاً ويعاود نشاطه". ثم اجدني للمرة الرابعة ربما أقول "كل الحق عالأستاذ عبدالرحمن، كان لازم يخبرني كيف بنتصر على البلوك".

رنّ هاتفي، فلم استطع اخذ قسطٍ من الراحة كما خططت. كانت صديقتي منى وتريدني ان ارافقها الى مشوار قريب حسبما أخبرتني. اعتذرت منها، لكنني وجدت نفسي اتحضر للخروج لكن لوحدي. مشيت لساعة كاملة في الشارع دون ان اعي اين اذهب،  وتركت العنان لعيناي علّني اصطاد من بحيرة الشارع بضعة أفكار ولكن حدث شيء فاجأني بشدة اذ التقيت ببنات أفكاري ترابط أمام جمعية المصارف وتصرخ بأعلى صوتها "كلن...يعني كلن"

 

 


*القصة خاصّة بموقع دار- المجمّع الإبداعي

*اللوحة للرسّام الأميركي "باتريك نيل براون- Patrick Neil Brown"


[1]  من تقنيات الكتابة