الريجيم الثقافي

كتاب اختلاج




جنى مشلب
(الجيل السادس - ورشة الكتابة الإبداعية)


عنوان الكتاب: اختلاج

نوع الكتاب: مجموعة قصصية (تحتوي على رواية قصيرة)

تأليف: سارة حمزة، دانيا النّجار، غدير تقي، وهلا ضاهر

النّاشر: دار- المجمّع الإبداعي، 2022

نبذة عن الكاتبات والكتاب: الكاتبات هنّ خرّيجات ورشة الكتابة الإبداعية (السنة الثالثة) التي يقيمها دار-المجمّع الإبداعي في مركزه.

الكتاب عبارة عن مجموعة قصصية، لكل كاتبة عدد من القصص المتنوّعة في الفكرة والمضمون والتقنيّات (ستة إلى سبعة قصص قصيرة)، بالإضافة إلى رواية قصيرة بعنوان "لاءات حبيبة".

قد لا يكون الجميع معتادًا على هذا المزيج بين القصص والرواية في كتابٍ واحد - مع أنّه ليس بسابقة في مجال الأدب العربي فهناك تجربة عربية وأخرى أجنبية قامت بنشر مشابه منذ عقود من الزمن- إلّا إنّ "اختلاج" قادرٌ على اقناعكم به. يستطيع الكتاب أن يدخل بسلاسة إلى قلوب القرّاء؛ تمامًا كما يعبّر عنوانه: اختلاج، فهو من "متطلبات القلب وضوابطه وشجونه.. إنّه خلجات القلب واختلاجاته"، كما يشرح مدرّب الورشة الأستاذ عبدالرحمن جاسم.

هناك مقدمة ضرورية تحت عنوان "مقدمة لا بدّ منها" بقلم الأستاذ عبدالرحمن، تعرّف القارئ على الكاتبات وأساليبهنّ المتميزة كما نمط كتابة كل منهنّ. قد يدفع هذا الأمر بالقارئ إلى معرفة إصدارات الكاتبات السابقة فيجد ثلاثة كتب: "أنا أسكن ضاحية بيروت الجنوبية" (2020) الذي شارت فيه دانيا النّجار وهلا ضاهر، وكتاب "دافنشي لا يجيد الكتابة" (2020) الذي شاركت فيه سارة حمزة، و"نحن لا نبيع الحب في هذا الحانوت" (2018) بمشاركة غدير تقي.

ملخص الكتاب:

ينقسم الكتاب إلى قسمين: مجموعة من القصص القصيرة وقسم ثاني يحوي رواية قصيرة.

في الجزء الأول من الكتاب، هناك ست قصصٍ للكاتبة هلا ضاهر، صاحبة التجربة المتميّزة في الأدب المقاوم وكتابة سيَر الشهداء؛ وفي رصيدها مؤلفات عدّة، آخرها: "تحت ظلال الزيتون". يظهر جليًا من طبيعة القصص والمواضيع التي تطرحها، انتماء الكاتبة للجيل الذي شهد العدوان الصهيوني على لبنان بما فيه من بطولات، وهمساتٍ خوفًا من الاعتقال أو القصف العشوائيّ، بالإضافة إلى ذكريات الملاجئ. وقد نقلت الكاتبة هذه الأحداث بلغةٍ واضحة، مباشرة، وسلسة.

المجموعة الثانية من القصص هي من تأليف دانيا النّجار. استطاعت دانيا من خلال قصصها السبع أن تنقل للقارئ مشاهد رسمتها بدقة كاملة من خلال مهارتها في نقل التفاصيل، بحيث أنّها لم تعطِ مجالًا للقارئ حتى يتخيّل بنفسه، فليس من هناك تفصيلٌ مفقود. كما أضافت دانيا روحًا مرحة إلى كتاباتها توحي بالشابة اليافعة الموجودة في حكاياتها فهي مغامرة وفضولية، مستعدة للذهاب إلى مكان مجهول مع شخص غريب بمفردها، وتستخرج العسل بطريقتها الخاصة من المطبخ إلى خلية النحل وليس العكس..

أمّا المجموعة الثالثة من القصص فهي من تأليف غدير تقي. سيكون سهلًا على القارئ ملاحظة حس الدهاء والذكاء الذي استخدمته غدير تقي في قصصها والتي قامت بمنحه لبعض شخصياتها الأساسية مثل شخصية "نرجس" في قصة "ما عجبني الـ "order" وشخصية "أمين" في قصة "الفضول". تعتمد الكاتبة على تقنية "in and out"  التي أشار إليها أستاذ عبدالرحمن في مقدمة الكتاب، فنرى غدير تُجري محادثات في الاتجاهين: مع المحيط الخارجي ومع نفسها، أي داخل عقلها، والذي يُظهر للقارئ العديد من الحقائق حول أبطال وبطلات قصصها من بينهم شخصية "إسراء" في قصة "أريد هدنة".

قبل الانتقال إلى الجزء الثاني من الكتاب، لا بد أن أشير إلى عنصر المفاجأة الذي بعثته الكاتبات في نفوس القرّاء في بعض المحطات ليقمن بتوضيحه لاحقًا؛ فمثلًا سيتفاجأ القارئ حتمًا بردة فعل بطلة هلا ضاهر في قصتها "أربعة أشياء" عند استلامها رسالة إعجاب من مجهول وتحضيرها للقائه من دون تردد. وسيتساءل عن سبب إصرار دانيا لكتابة اسم "بول" فقط باللغة الإنجليزية في قصة "سيامي أو بريطاني؟" قبل اكتشاف هويته كما أن القارئ سيستغرب تصرّف "نرجس" في لقائها مع "ربيع" أولًا قبل أن تقوم غدير بتبرير نفسها لاحقًا، وهذا ما وجدتُه جميلًا ومشوّقًا.

في الرواية القصيرة "لاءات حبيبة" التي تعتبر الجزء الثاني من الكتاب، اختارت الكاتبة سارة حمزة أن تدور أحداث روايتها حول الممرضة "حبيبة" والتي كانت طفلة في فترة من الفترات فتحكي لنا عن عائلتها (عائلة الشريف) وعن ارتباط هذا الاسم منذ زمن بالثأر والدم، لكنها بدورها تحاول قدر الإمكان البقاء بعيدة عن هذه الأساليب والأفكار الرجعية لتجد نفسها فجأة في وسط هذه الزوبعة، مضّحيّة بأحب الناس إلى قلبها. حينها، يبدأ صراعها مع نفسها ومع من حولها لكن بأسلوبها المعتاد القائم على الهدوء والسلام. هذا القسم من الكتاب يجمع بين حبكة الرواية وبعض خصائص القصة القصيرة ما نقل عمل سارة إلى مستوى عال جدًا فهي كانت قادرة على إدخال القارئ إلى منزل عائلة "حبيبة" وإلى المستشفى الذي تعمل فيه، كما نجحت في تقريب أفكارها إلى القارئ حتى يتمكّن من رؤية الصورة على وجه متكامل.

الانطباع الشخصي:
بعد قراءة هذا الكتاب، قررتُ تسمية الكاتبات بـ"فتيات القوة" لأنّ الجهد المبذول في هذا العمل وعصارة الاختلاجات الموجودة في كلّ صفحة دليل على قوتهنّ وامتلاكهنّ لمهاراتٍ وتقنياتٍ ساهمت في جعل هذا الكتاب فريدًا من نوعه.

 

24 آب 2022

 


نبذة عن الكاتبات والكتاب: الكاتبات هنّ خرّيجات ورشة الكتابة الإبداعية (السنة الثالثة) التي يقيمها دار-المجمّع الإبداعي في مركزه.

الكتاب عبارة عن مجموعة قصصية، لكل كاتبة عدد من القصص المتنوّعة في الفكرة والمضمون والتقنيّات (ستة إلى سبعة قصص قصيرة)، بالإضافة إلى رواية قصيرة بعنوان "لاءات حبيبة".

قد لا يكون الجميع معتادًا على هذا المزيج بين القصص والرواية في كتابٍ واحد - مع أنّه ليس بسابقة في مجال الأدب العربي فهناك تجربة عربية وأخرى أجنبية قامت بنشر مشابه منذ عقود من الزمن- إلّا إنّ "اختلاج" قادرٌ على اقناعكم به. يستطيع الكتاب أن يدخل بسلاسة إلى قلوب القرّاء؛ تمامًا كما يعبّر عنوانه: اختلاج، فهو من "متطلبات القلب وضوابطه وشجونه.. إنّه خلجات القلب واختلاجاته"، كما يشرح مدرّب الورشة الأستاذ عبدالرحمن جاسم.

هناك مقدمة ضرورية تحت عنوان "مقدمة لا بدّ منها" بقلم الأستاذ عبدالرحمن، تعرّف القارئ على الكاتبات وأساليبهنّ المتميزة كما نمط كتابة كل منهنّ. قد يدفع هذا الأمر بالقارئ إلى معرفة إصدارات الكاتبات السابقة فيجد ثلاثة كتب: "أنا أسكن ضاحية بيروت الجنوبية" (2020) الذي شارت فيه دانيا النّجار وهلا ضاهر، وكتاب "دافنشي لا يجيد الكتابة" (2020) الذي شاركت فيه سارة حمزة، و"نحن لا نبيع الحب في هذا الحانوت" (2018) بمشاركة غدير تقي.

ملخص الكتاب:

ينقسم الكتاب إلى قسمين: مجموعة من القصص القصيرة وقسم ثاني يحوي رواية قصيرة.

في الجزء الأول من الكتاب، هناك ست قصصٍ للكاتبة هلا ضاهر، صاحبة التجربة المتميّزة في الأدب المقاوم وكتابة سيَر الشهداء؛ وفي رصيدها مؤلفات عدّة، آخرها: "تحت ظلال الزيتون". يظهر جليًا من طبيعة القصص والمواضيع التي تطرحها، انتماء الكاتبة للجيل الذي شهد العدوان الصهيوني على لبنان بما فيه من بطولات، وهمساتٍ خوفًا من الاعتقال أو القصف العشوائيّ، بالإضافة إلى ذكريات الملاجئ. وقد نقلت الكاتبة هذه الأحداث بلغةٍ واضحة، مباشرة، وسلسة.

المجموعة الثانية من القصص هي من تأليف دانيا النّجار. استطاعت دانيا من خلال قصصها السبع أن تنقل للقارئ مشاهد رسمتها بدقة كاملة من خلال مهارتها في نقل التفاصيل، بحيث أنّها لم تعطِ مجالًا للقارئ حتى يتخيّل بنفسه، فليس من هناك تفصيلٌ مفقود. كما أضافت دانيا روحًا مرحة إلى كتاباتها توحي بالشابة اليافعة الموجودة في حكاياتها فهي مغامرة وفضولية، مستعدة للذهاب إلى مكان مجهول مع شخص غريب بمفردها، وتستخرج العسل بطريقتها الخاصة من المطبخ إلى خلية النحل وليس العكس..

أمّا المجموعة الثالثة من القصص فهي من تأليف غدير تقي. سيكون سهلًا على القارئ ملاحظة حس الدهاء والذكاء الذي استخدمته غدير تقي في قصصها والتي قامت بمنحه لبعض شخصياتها الأساسية مثل شخصية "نرجس" في قصة "ما عجبني الـ "order" وشخصية "أمين" في قصة "الفضول". تعتمد الكاتبة على تقنية "in and out"  التي أشار إليها أستاذ عبدالرحمن في مقدمة الكتاب، فنرى غدير تُجري محادثات في الاتجاهين: مع المحيط الخارجي ومع نفسها، أي داخل عقلها، والذي يُظهر للقارئ العديد من الحقائق حول أبطال وبطلات قصصها من بينهم شخصية "إسراء" في قصة "أريد هدنة".

قبل الانتقال إلى الجزء الثاني من الكتاب، لا بد أن أشير إلى عنصر المفاجأة الذي بعثته الكاتبات في نفوس القرّاء في بعض المحطات ليقمن بتوضيحه لاحقًا؛ فمثلًا سيتفاجأ القارئ حتمًا بردة فعل بطلة هلا ضاهر في قصتها "أربعة أشياء" عند استلامها رسالة إعجاب من مجهول وتحضيرها للقائه من دون تردد. وسيتساءل عن سبب إصرار دانيا لكتابة اسم "بول" فقط باللغة الإنجليزية في قصة "سيامي أو بريطاني؟" قبل اكتشاف هويته كما أن القارئ سيستغرب تصرّف "نرجس" في لقائها مع "ربيع" أولًا قبل أن تقوم غدير بتبرير نفسها لاحقًا، وهذا ما وجدتُه جميلًا ومشوّقًا.

في الرواية القصيرة "لاءات حبيبة" التي تعتبر الجزء الثاني من الكتاب، اختارت الكاتبة سارة حمزة أن تدور أحداث روايتها حول الممرضة "حبيبة" والتي كانت طفلة في فترة من الفترات فتحكي لنا عن عائلتها (عائلة الشريف) وعن ارتباط هذا الاسم منذ زمن بالثأر والدم، لكنها بدورها تحاول قدر الإمكان البقاء بعيدة عن هذه الأساليب والأفكار الرجعية لتجد نفسها فجأة في وسط هذه الزوبعة، مضّحيّة بأحب الناس إلى قلبها. حينها، يبدأ صراعها مع نفسها ومع من حولها لكن بأسلوبها المعتاد القائم على الهدوء والسلام. هذا القسم من الكتاب يجمع بين حبكة الرواية وبعض خصائص القصة القصيرة ما نقل عمل سارة إلى مستوى عال جدًا فهي كانت قادرة على إدخال القارئ إلى منزل عائلة "حبيبة" وإلى المستشفى الذي تعمل فيه، كما نجحت في تقريب أفكارها إلى القارئ حتى يتمكّن من رؤية الصورة على وجه متكامل.

الانطباع الشخصي:
بعد قراءة هذا الكتاب، قررتُ تسمية الكاتبات بـ"فتيات القوة" لأنّ الجهد المبذول في هذا العمل وعصارة الاختلاجات الموجودة في كلّ صفحة دليل على قوتهنّ وامتلاكهنّ لمهاراتٍ وتقنياتٍ ساهمت في جعل هذا الكتاب فريدًا من نوعه.

 

24 آب 2022

 

-->